في مشهد استثنائي من التلاحم والكرامة اختلطت فيه دموع الأمهات بحرارة الشمس، وتماهت فيها صرخات النساء مع نداءات الكرامة، تجمّعت آلاف النساء الجنوبيات في ساحات عدن ولحج وأبين، حاملات همّ الوطن ووجع المواطن، ورافعات شعارات الغضب والأمل، في وقفات نسوية هي الأضخم من نوعها، تجلّت فيها إرادة المرأة الجنوبية الرافضة للذل، والمطالِبة بحقوقها وحقوق شعبها المشروعة من كهرباء، وماء، وتعليم، وصحة، وكرامة، تحت شعار: "حقوقنا ومطالبنا تحت راية وطني وهويتي الجنوبية". لم تكن هذه الوقفات مجرد حدث عابر، بل صرخة مدوية خرجت من أعماق الألم والمعاناة، حملتها نساء الجنوب على أكتافهن، وأعلنوها صراحة: "حقوقنا ليست منّة، بل استحقاق وطني وإنساني". ودعون مجلس القيادة الرئاسي والمجلس المجالس المحلية لتحمل مسؤولياتهم وتحسين الأوضاع، ووقف استغلال معاناة الجنوب لضرب مشروعه الوطني الجنوبي.
خلال الوقفات الاحتجاجية ألتقينا بنساء الجنوب في ساحات العزة والكرامة لنقل صوتهن ووجهن لهن هذه التساؤلات:
لماذا نساء الجنوب نظمن وشاركن بالوقفات الاحتجاجية؟ وكيف تصف نساء الجنوب الأوضاع المعيشية والخدمية في محافظات الجنوب اليوم؟ وما أبرز المعاناة التي تواجهها المرأة في ظل تدهور الخدمات وارتفاع الأسعار؟ وكيف يمكن أن يُوصف حال المرأة الجنوبية اليوم؟ وهل صوتها مسموع في المطالبة بحقوقها وخدماتها؟ وما المطالب العاجلة التي ترى ضرورة تحقيقها؟ وما الرسائل التي أرادت إيصالها من خلال الوقفات الاحتجاجية؟ وماذا يعني لنساء الجنوبِ رفع علم الجنوب خلال الفعاليات النسوية؟
-وضع مأساوي
تقول د. حفيظة الشيخ، الأمين العام للجنة الوطنية اليمنية للتربية والثقافة والعلوم:" دافعي للمشاركة في الوقفة النسائية هو التدهور غير المسبوق في الأوضاع الاقتصادية والخدماتية، حيث تعاني محافظات الجنوب، خصوصًا لحج، من انقطاع الكهرباء لأكثر من أسبوعين، وشحّ المياه التي لا تُنال إلا بالشراء، وسط رواتب لا تتجاوز الأربعين دولارًا. إلى جانب ذلك، يشهد القطاعان الصحي والتعليمي تراجعًا كبيرًا، وانهيار العملة أدى إلى ارتفاع أسعار الغذاء بشكل مأساوي. هذا الواقع المعيشي المؤلم تجاوز قدرة الناس على التحمل، بينما يواصل المجلس الرئاسي والحكومة تجاهل معاناة المواطنين كأنهم مصابين بالصمم والعمى، بل تعطلت لديهم كل قدرات الإحساس والشعور بمعاناة الشعب".
-واجب وطني وإنساني
بينما تضيف الناشطة الجنوبية الأستاذة عواطف عبدالقادر يافعي: " شاركت في هذه الفعاليات لإيماني العميق بواجبي الوطني والإنساني تجاه عاصمتنا عدن، ورغبتي الصادقة في الإسهام بتحسين الأوضاع المعيشية وتوفير الخدمات الأساسية لأبناء العاصمة عدن، خاصة وأبناء الجنوب عامة في ظل التحديات والصعوبات التي يواجهها المواطنون. أؤمن أن العمل التشاركي والمجتمعي هو السبيل الحقيقي للتغيير الإيجابي، كما أنني أؤكد أن حقوقي ومطالبي ستبقى دائمًا تحت راية الجنوب، الذي ننتمي إليه ونناضل من أجل مستقبله العادل والمستقر."
-حرب ممنهجة
وتصف د. رنا السروري – رئيس دائرة العلاقات العامة، اتحاد عام نساء الجنوب، الأوضاع المعيشية والخدمية، قائلة: يعاني شعب الجنوب من أوضاع معيشية صعبة ومتعمّدة، تهدف إلى تحطيم إرادتهم وثنيهم عن استعادة دولتهم. التدهور الاقتصادي، وارتفاع أسعار العملات الأجنبية، مع تأخر الرواتب، يزيد من معاناتهم. إضافة إلى ذلك، يعانون من انقطاع الكهرباء والمياه، وانتشار الأوبئة بسبب تخريب شبكات الصرف الصحي. كما يُستهدف التعليم بحرمان المعلمين من حقوقهم، ما يعرض الأجيال للتجهيل"، مؤكدة:" أن هذه الحرب الممنهجة ضد الجنوب وشعبه لن تنجح في كسر عزيمة الجنوبيين، الذين عزموا على استعادة دولتهم الجنوبية كاملة السيادة".
-وجع المرأة الجنوبية
وتتحدث الناشطة الجنوبية الأستاذة أنيسة ناشر صالح مثنى: "كإمرأة في إحدى محافظات الجنوب، أبرز معاناتي تكمن في صعوبة توفير احتياجات أسرتي اليومية نتيجة الانهيار المتواصل للخدمات الأساسية وارتفاع الأسعار بشكل يفوق قدرتنا على التحمل. الماء والكهرباء أصبحتا من الكماليات، والمواصلات باتت عبئاً يومياً، خصوصاً مع غلاء الوقود. حتى المواد الغذائية الأساسية لم تعد متاحة بسهولة بسبب الغلاء الفاحش، ما يضعني في صراع دائم بين تأمين الغذاء وتعليم أطفالنا ومتطلبات الحياة. أشعر أن المرأة الجنوبية تتحمل العبء الأكبر، فهي الأم والمعيلة والمدافعة عن كرامة بيتها، في ظل غياب حلول حقيقية من الجهات المسؤولة."
-عجز حكومي
وتضيف الأستاذة زهرة صالح علي الباشا، سكرتارية المرأة والطفل باللجان المجتمعية – مديرية الشيخ عثمان" عانت المرأة الجنوبية طويلاً من الصبر والتحمل في ظل عجز الحكومة عن تحسين الأوضاع المعيشية، ما دفعها لكسر الصمت والخروج إلى ساحات الاعتصام مطالبة بحقها وحق المجتمع في العيش الكريم والعدالة المجتمعية. إن غياب العدالة ساهم في تعميق الفوارق الاقتصادية والاجتماعية، وزاد من معاناة المواطن البسيط."، مضيفة:" نطالب الحكومة بإتاحة الفرصة للمرأة الجنوبية للتمكين والمشاركة الفاعلة في صنع القرار وتطبيق الكوتا، التي بقيت حبراً على ورق. فرغم صبر المرأة الجنوبيّة، إلا أن تدهور الأوضاع دفعها إلى رفض الظلم والمطالبة بحقوقها في وطن قادر على تأمين الحياة الكريمة. خروجنا للشارع رسالة واضحة بأن أمام الحكومة فرصة أخيرة لإعادة الحسابات وتعزيز الثقة مع المواطنين، فالصبر له حدود، ولكل فعل رد فعل".
-صوت المرأة الجنوبية مسموع عالميًا
وتؤكد الأستاذة وفاء علي عبيد الجمحي، مديرة مدرسة بمديرية المعلا وعضو في اتحاد مكافحة الفساد، قائلة : "طبعاً صوت المرأة الجنوبية بات مسموعاً يتردد صداه في أرجاء العالم، وقد وصل صوتنا إلى الأمم المتحدة، والمبعوث الأممي رحب بهذه الوقفات. وبإذن الله، نسعى إلى تمكين المرأة الجنوبية لتكون صاحبة قرار، فهي اليوم في مواقع قيادية ولكنها ليست صاحبة قرار فعلي. ونسعى أيضاً إلى أن تكون صاحبة مشاركة فاعلة وصاحبة القرار، بما يعكس دورها الحقيقي في بناء الجنوب."
-معاناة بلا حدود
بدورها الأستاذة جميلة سعيد الجمحي، رئيس النقابة العامة للخدمات الاجتماعية والإدارية – الاتحاد العام لنقابات عمال الجنوب، تتحدث عن مطالب المرأة العاجلة، قائلة:" في ظل الظروف القاسية التي يمر بها الجنوب، يُمارَس على الشعب البطل شكلٌ جديد من العقاب عبر حرب الخدمات وغلاء الأسعار وانهيار العملة، وسط انقطاع الكهرباء والماء في صيف تصل حرارته إلى 40 درجة. ومن أولويات المعالجات العاجلة: توفير الكهرباء بشكل مستمر، صرف الرواتب بانتظام، وإقرار علاوة غلاء معيشة، تمهيداً لتسوية شاملة للرواتب وضمان حياة كريمة للمعلمين والموظفين".
-صرخة نساء الجنوب
فيما الأستاذة رضا حسن صالح القعيطي، أمين كلية التربية - جامعة عدن، تقول:" كانت وقفاتنا نحن نساء الجنوب في الساحات لنطلق صرخة صادقة تحمل وجعاً وألماً في قلوب كل امرأة جنوبية من تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والخدمية في البلد، بمطالب اختصرناها بتوفير حياة كريمة من كهرباء وماء وصحة وتعليم، وراتب هبطت قيمته بحيث لا يمكننا الشراء والعيش بحياة كريمة كفلها لنا الدستور والقانون. كل ذلك تحت راية علم الجنوب الذي هو رمز لهويتي ووجودي، أبداً لم يكن شعاراً سياسياً ولا سلاحاً، هو في وجدان كل مواطن ومواطنة جنوبية، هذا العلم لا يخص حزباً ولا فئة ولا جهة، هو رمز للأرض والهوية والإنسان الجنوبي". وتضيف:" رسالتي هي إيصال هذه الصرخة إلى كل من به صمم، وإلى كل مسؤول في الداخل والخارج، عليه أن يشتغل ويتحمل مسؤوليته تجاه شعبه وبلده بضمير حي من أجل مستقبلنا جميعاً ومستقبل أولادنا وبناتنا".
-راية الجنوب لا تسقط
وتتحدث الناشطة الجنوبية الأستاذة نسرين كرد:" ما شاهدناه من خروج الآلاف من نساء الجنوب للمطالبة بحقوقهن لا يعني التخلي عن رفع علمنا الجنوبي تحت أي مبرر. للأسف، هناك من يستغل معاناة الناس لتشويه رمزية العلم وادعاء أنه علم حزب أو مكون، بينما هو علم دولتنا المغتصبة وعلم شهدائنا. رفع علم الجنوب لا يمثل حزبًا، بل يمثل ثورتنا السلمية وهويتنا الجنوبية أمام العالم".
إن صوت المرأة الجنوبية الذي علا في ميادين الكرامة، لم يكن سوى صدى لمعاناة شعب الجنوب بأكمله، يئن تحت وطأة الفقر والتجاهل وانهيار الخدمات. خرجن لا ليطلبن المستحيل، بل ليطالبن بأبسط حقوقهن وحقوق أسرهن في حياة كريمة تليق بإنسانيتهن وبتاريخ الجنوب النضالي. ما بين علم يرمز للهوية وكرامة تُنتهك يومياً، أثبتت المرأة الجنوبية أنها ليست فقط نصف المجتمع، بل ضميره الحي ونبضه الذي لا يصمت أمام القهر. فليكن صوتهن جرس إنذار لكل مسؤول، ورسالة لا لبس فيها: صبر النساء الجنوبيات ليس بلا نهاية، وإذا خرجن اليوم مطالبات بحقوقهن، فغداً قد يكنّ صانعات التغيير الحقيقي، ولن تعود عقارب الكرامة إلى الوراء.