في زحمة التفاصيل اليومية، قلّما تصادف مسؤولًا لا ينتظر التكريم، بل يجعل من خدمته للناس أسمى غاية، ومن موقعه الإداري فرصة لرد الجميل لمدينته، وهذا ما ينطبق حرفيًا على المهندس قائد راشد أنعم، مدير عام صندوق النظافة وتحسين العاصمة عدن.
منذ أن تسلم مهامه، لم يكن مجرد مسؤول إداري في مؤسسة خدماتية، بل كان رجل ميدان، يسابق الوقت لإحداث أثر ملموس في شوارع المدينة، وأحيائها، ومرافقها العامة. لا يبحث عن الأضواء، ولا يُغريه الظهور، بقدر ما يؤمن أن واجبه الحقيقي يتجلى في أن تتنفس عدن نظافة، وتستعيد وجهها الحضاري، الذي شوهته الحروب، والإهمال، وتراكمات السنين.
ما يميز المهندس قائد راشد أنعم، أنه لا يرد طالب خدمة، ولا يتذرع بنقص الإمكانيات. بل يسخّر ما هو متاح، ويدير المتاح كما لو أنه وفير.
يفتح أبواب مكتبه قبل أن تُفتح أبواب الدوام، ويجعل من الصندوق بيتًا مفتوحًا لكل صاحب مبادرة، أو شكوى، أو فكرة يمكن أن تعيد لمربعات العاصمة روحها ونظافتها.
حينما لجأت إليه نقابة الصحفيين والإعلاميين الجنوبيين، لتشذيب أشجارها وتنظيف ساحتها، لم يتردد، ولم يشترط، بل تحرك الطاقم في ساعات الصباح الأولى، وتمّت المهمة بنجاح، وبصمت، كما يحب أن يعمل دائمًا.
لا يخفي الرجل حبه لعدن، ويكاد يردّدها في كل محفل، "عدن تستحق أكثر". ولهذا ينهض مع فريقه قبل أن تنهض المدينة، يواكب تحركات الحملات الميدانية، ويشارك العاملين في الميدان، ويتابع الخطط بنفسه، ويضع لمساته على ما يُنجز.
ففي الوقت الذي تشهد فيه الكثير من المرافق الخدمية تراجعًا، يظهر صندوق النظافة كمثال مضيء لفعالية الإدارة، متى ما وُجدت الإرادة، ومتى ما توافرت الرغبة في الإنجاز لا الادعاء.
حين أردنا مقابلته، لم نشهد تعقيدًا، ولا وعودًا معلقة. بل قال ببساطة الرجل العملي:
"أهلًا وسهلًا بكم في الثامنة صباحًا، باب مكتبي مفتوح يوميًا، وعلى موعد دائم في هذا التوقيت."
جملة تختصر شخصية المسؤول الذي يحترم وقته ووقت الآخرين، ويؤمن بأن الإدارة الحقيقية تبدأ مع أولى ساعات النهار، لا في نهايته.
فلا سكرتارية تحجبك، ولا مواعيد عبثية ترهقك، ولا حواجز بينه وبين من يقصده، وهذا ما جعله محل احترام كل من تعامل معه عن قرب، أو لجأ إليه في شأنٍ خدميّ.
إن تكريم هذا الرجل لا يُختصر بدرع أو شهادة، بل بما نراه من تحسن في وجه المدينة، وما يشعر به المواطن من احترام لإنسانيته، حين تُنجز مطالب النظافة والصيانة وتحسين البيئة في زمن قياسي.
لعل عدن اليوم، بأمسّ الحاجة إلى نسخ مكررة من "قائد راشد" ، ممن يعملون بصمت، ويعطون بصدق، ويغادرون مكاتبهم برضا الضمير.