في تطور سياسي لافت، كشفت مصادر دبلوماسية وإعلامية عن توافق دولي وإقليمي مبدئي على تولي حركة "فتح" زمام إدارة قطاع غزة في مرحلة ما بعد الحرب، وذلك عقب مداولات أجريت ضمن مؤتمر نيويورك الأخير بشأن مستقبل السلطة الفلسطينية وإعادة هيكلتها في ظل المتغيرات الميدانية والسياسية المتسارعة.
خطوة نحو إنهاء الانقسام
يُنظر إلى هذا التوجه كخطوة أولى نحو إنهاء الانقسام الفلسطيني المستمر منذ عام 2007، حين سيطرت حركة "حماس" على قطاع غزة. وتهدف المبادرة إلى إعادة توحيد القيادة الفلسطينية تحت مظلة السلطة الوطنية، بما يعزز الشرعية السياسية ويفتح المجال أمام جهود تنموية وإنسانية مستدامة في غزة، بعد سنوات من الحصار والصراعات المتكررة.
وأكدت مصادر مقربة من دوائر القرار أن التوافق حول تولي "فتح" للقيادة جاء بدعم من أطراف دولية فاعلة، وعلى رأسها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى أطراف عربية تسعى لاستقرار الوضع الفلسطيني، وتمهيد الطريق أمام حلول سياسية عادلة وشاملة.
تحديات إعادة الإعمار وبناء المؤسسات
مع التدمير الواسع الذي لحق بالبنية التحتية في غزة، تُعد المرحلة القادمة حرجة وتتطلب إدارة مدنية فعالة قادرة على التنسيق مع الجهات الدولية المانحة. وستُوكل إلى "فتح" مهمة إعادة تفعيل مؤسسات الحكم المحلية، وتشكيل فرق فنية للعمل في مجالات الإغاثة والإعمار والتعليم والصحة، بالتعاون مع الأمم المتحدة ومؤسسات المجتمع المدني.
ويقول مراقبون إن نجاح "فتح" في هذه المهمة سيتوقف على مدى قدرتها على استيعاب كافة مكونات المجتمع الفلسطيني، بما في ذلك الشخصيات والكفاءات المستقلة، وتجنب العودة إلى نمط الإقصاء أو الاحتكار السياسي.
موقف الفصائل الأخرى
رغم الأهمية الرمزية والسياسية لهذه الخطوة، إلا أن مستقبلها سيظل رهينًا بمواقف الفصائل الفلسطينية الأخرى، وخاصة "حماس"، التي لم تُصدر حتى الآن موقفًا رسميًا من مخرجات المؤتمر. بينما عبّر بعض قادة الحركة في تصريحات صحفية عن رفض أي "إملاءات خارجية" تحدد مصير القطاع دون توافق وطني شامل.
وفي المقابل، دعا عدد من الفصائل والشخصيات الفلسطينية إلى ضرورة عقد حوار وطني عاجل، يُفضي إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية تتولى إدارة كافة المناطق الفلسطينية، وليس غزة وحدها، وتُهيئ الأجواء لإجراء انتخابات عامة، بما يضمن مشاركة الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.
دعم دولي مشروط بالإصلاح
من جهتها، أعربت جهات دولية عن استعدادها لدعم هذه المرحلة الانتقالية، شريطة أن تترافق مع إصلاحات مؤسسية داخل السلطة الفلسطينية، تشمل تعزيز الشفافية، وتطوير آليات الحوكمة، وضمان استقلال القضاء وحرية الإعلام. كما يُشترط أن تتم هذه العملية بعيدًا عن النفوذ المسلح لأي جهة، لضمان بيئة آمنة تتيح تنفيذ البرامج التنموية دون عوائق.
آفاق المستقبل
وفي ظل هذا المشهد المعقد، تبقى فرص نجاح هذه المبادرة مرهونة بإرادة سياسية فلسطينية جماعية، وقدرة الأطراف على تغليب المصلحة الوطنية على الاعتبارات الفصائلية. فعودة "فتح" إلى غزة قد تفتح صفحة جديدة، لكنها تتطلب شراكة حقيقية، وحوارًا مسؤولًا يضع معاناة الشعب الفلسطيني في مقدمة الأولويات.
وبين الآمال المعلّقة والتحديات القائمة، تبرز هذه الخطوة كاختبار حقيقي لقدرة الفلسطينيين على إعادة بناء مشروعهم الوطني، والانطلاق نحو مرحلة جديدة تتسم بالوحدة، والاستقرار، والتنمية.