منذ صغري وأنا مؤمن بمقولة "لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد" لذلك كنت أؤجله حتى يتسنى لي إنجازه بالراحة وعلى أقل من مهلي، احتراما لمبدأ الإبداع الحر وعدم تقييد النفس بالمواعيد.
كنت شابا موهوبا في فن تأجيل المهام، حتى أن والدي رحمة الله عليه، كان يشك أنني عبقري سابق لعصري، وكل ما أحتاجه هو بطارية شحن ومنبه يذكرني بانجاز واجباتي المدرسية.
كبرت، ومع الكبر تأتي المسؤوليات، أو كما أحب أن أسميها، الكوابيس اليومية. قررت أخيرا وبعد فوات الأوان أن أكون إنسانا منتجا. اشتريت جوال محترم، حملت تطبيق تنظيم الوقت، وعلقت على جدار غرفتي عبارة تقول:
"استيقظ لتصنع الفرق".
المشكلة أنني لم أستيقظ أصلا، فنام الفرق وذهب الحماس إلى غير رجعة، لأن كل إهتماماتي حولتها لمتابعة الفيس والإنستجرام ومشاهدة أفلام الهشك/بشك.
دخلت سوق العمل، وهناك بدأت معركتي الحقيقية. اكتشفت أن المدير لا يقدر الإبداع غير المجدول، وأن "الشغل على مزاجي" لا يصرف راتب.
حاولت مرة أن أشرح لرئيسي أنني أعمل من منازلهم وأن يومي يبدأ بعد الظهر، فطردني مديري قبل العصر.
ومع كل هذا، لم أفقد الأمل. قررت أن أبدأ مشروعا خاصا. فتحت قناة يوتيوب لتسويق القات.
بعد فيديو المقدمة، لم أعد أرفع شيئا. كانت قناتي مثل حياتي، فيها وعد لإعطائي تخزينة يومية مقابل الإعلان عن وصول آخر "مرقحة" وصلت سوق القات، كسبت عدد كبير من المتابعين، وشلة من السرابيت، وخسرت سمعتي وطلقت زوجتي وعيالي إلى غير رجعة.
وأخيرا إهتديت إلى أنه ليس شيء في الحياة ينجز بالنوايا وحدها. الكسل موهبة مدمرة، يعطيك ألف مبرر لتفعل اللاشيء بإتقان.
لا تنتظر أن تكون في "المود" حتى تبدأ، لأن المود غالبا في إجازة طويلة، على جزيرة مهجورة.
فيا من تؤجر عقلك للتفاهات وتؤجل، وتتكاسل، وتنتظر أن تصطف الكواكب لتتحرك، تحرك أنت، ولا تنتظر الكون لأنه مشغول بأشياء أهم من شغل عيا
ل السوق.
فتأمل